انتقل إلى المحتوى

كم طوى الدهر عليها أمما

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

كم طوى الدهرُ عليها أُمما

​كم طوى الدهرُ عليها أُمما​ المؤلف رشيد أيوب


كم طوى الدهرُ عليها أُمما
ومحاها من سجلّ الكائنات
هكذا يطوي ويمحو طالَما
سنواتٌ فيه تَتلو سنوَات
دوَلٌ في دورها قد لعِبَت
ثمّ بادت وبدت أخرى تدول
وبهذا الكون أسرارٌ خَبَت
نحت مكنوناتها نار العقول
ومطايا الفكر فيها قد كَبَت
حائراتٍ لا تَعي كيف تجول
بَينَما المَرءُ يُرى مُبتسما
ولهُ الأيام تبدو زاهرات
إذ ترَاهُ يذرف الدمع دما
شَرقاً من حزنِه بالعبَرَات
هذِه الدنيَا وما فيها غرور
عبَثاً ترجو من الدنيا السّلام
أرضعَتنَا ثَديَ أنسٍ وسرور
وسَقَتنا المرّ من بَعد الفطام
فإلامَ هذه الدّنيَا تجور
إِنّ هذا ليس من شأنِ الأنام
حكمَ الله بنا ما حَكَما
فاقصرِ البحث بهذي الغامضات
وبحبلِ الله كُن مُعتَصِما
لا تَسل عمّا بطيّ الخافيات
عندما سلطانة البحر سَرَت
لَيلَةً تزهو بأبهَى الحلَلِ
كعرُوسٍ في الدّجى قد خطرت
وهيَ بكرٌ بالشقا لم تَحفلِ
وعقول الناس منها سُحِرَت
عَجَباً لمّا رأوهَا تَنجَلي
كشهابٍ نورُها شَقّ السّما
أو غَدت إحدى النجوم السابحات
ليتَ شعري في الوَرَى من علما
أنها خُطَّت بسفر الحادثات
فدَعوها تَتَباهى عن رضى
مَا لَها في السيرِ من مُنتَقِدِ
حسَدتها رُبّما زُهرُ الفَضَا
فَأصابَتها بِعَينش الحَسِدِ
أو هوَ الناموس في حكم القضا
لم يدَعهَا تَتَباهى لِغَدِ
صَدَمَت طودَ جَلِيدٍ قد سَما
لم يُعِيرُوه اعتِنَاءً والتِفَات
إنّما لما بها الخطبُ طمى
علِموا كيفَ اصطِدام الرّاسيات
صيحَة لله لمّا ازدَحَمُوا
قامَ موجُ البحرِ منها وقَعَد
آهِ لَو للبَحر عَقلٌ وَدَم
كان لَما عَاينَ الخطب جَمَد
كم عرُوسٍ عن عريسٍ فصَمُوا
مثلما تُفصمُ رُوحٌ عَن جَسَد
تَقرَعُ السنّ عَلَيهِ نَدمَا
وَتُنَاجي رَبّهَا بالحَسرَات
ربّ إِني عِفتُ روحي ألَما
لَيتَني ما كنتُ في هذي الحياة
طَيَّرُوا البَرقَ بأرجَاءِ الأثير
فَغَدا فِيهِ يصِيحُ المَدَدا
في فضَاءٍ عندهُ عَزّ النّصير
وبحورٍ جَرّدَت سيفَ الرّدى
وكبير القَومِ فِيهِم كالصّغير
لمَلاكِ المَوتِ كُلٌّ سَجَدا
فانشَنَت كرباثيا من بعد ما
مَزّقَ البرقُ أَديمَ السّمَوَات
وَجَرَت تَوّاً تَشُقّ الظُّلَمَا
نحوَ مَن ضاقَت بهم سبلُ النجاة
لم يكن للخيل في الحربِ صَهيل
لا ولا فيها صَلِيلٌ للسيوف
مُهَجٌ في لَججٍ باتت تسِيل
جَزَعاً من مشرَفيّاتِ الحتوف
وسَرَاةُ القومِ كم منهُم قتِيل
كانَ لو يحيَا به تَحيَا ألوف
كم شجاعٍ قد عَنَا مستسلما
وهو لا يعنو لحدّ المرهفات
وأبيّ النفس أودى كَرَما
كَفِداءٍ عن نفوس السيّدات
يا لَهُ ليلاً تَجَنّى واعتَدى
رَاخياً مِنهُ عَلى الصّبحِ سِتار
مَأتَمٌ للنّاسِ فيه قَد غَدا
وهو عرسٌ عند حيتانِ البِحَار
كم كميٍ سيفه قد أَغمدا
وشجاعٍ حيثُ سارَ القَومُ سار
صَبّتِ الدّنيَا عليهِم نِقَما
وبهم قد ضَاقَتِ المُنفرجات
وغَدا مَن كانَ يرَعى الذمما
مثل من كانوا لدى الحقّ جُناة
وَتَلَوا لمّا دنا وقتُ الوَدَاع
رَبّنَا إنّا إِلَيكَ أَقرَبُ
عَلَلُوا أنفسهُم بالإجتِمَاع
عَل مُرّ الموتِ فِيهِ يَعذُبُ
وَهوَوا في قاعِ بحرٍ أيّ قاع
مَاؤهُ هَيهات فِيهِ ينضبُ
فَاحفَظَن يا بحر تلكَ الرّمَمَا
إنها تُعزَى لأًبطالٍ كُمَاة
ليس للدُّرّ الذي فيكَ كَمَا
لرُفاتٍ مثل هذي حَسَنَات
يا نُجوماً رَافَقَت هذا الوُجُود
من دُهورٍ وبِها الله عليم
بلغت كرباثيا ذاكَ المَقَام
حيثُ أشباحُ الرّدى تَزدَحِمُ
خَطفَت من مخلبِ الموتِ الزّؤام
كلّ مَن في البحرِ حَيّاً منهُمُ
وبهم جاءَت إِلى هذا الحِمى
فَأحَلّوهَا مَكَانَ النّيرَات
ليتَ ذا الدهر بهذا خَتَما
وَكَفانَا شَرَّهُ والنّائِبَات
لم يكُن للخَطبِ إِلاّكِ شُهود
فوق ذاك البحر في الليل البهيم
كيفَ حال القوم في دار الخلود
يا تُرَى هم في نعيمٍ أم جحيم
فَلَعَمري ليسَ إِلاّ حُلُما
ذلك الفِردَوس قَصّتهُ الرّوَاة
وجحيم القَومِ أمسى عِندَما
خبطوا في لجّجٍ في ظُلُمات
سلّ سيف الصبحِ من غمد الظلام
وتَوَارَت في الفضاءِ الأنجُمُ
بلغت كرباثيا ذاكَ المَقَام
حيثُ أشباحُ الرّدى تَزدَحِمُ
خطَفت من مخلبِ الموتِ الزّؤام
كلّ مَن في البحرِ حَيّاً منهُمُ
وبهم جاءَت إِلى هذا الحِمى
فأحَلّوهَا مَكَانًَ النيَرَات
ليت ذا الدهر بهذا خَتَما
وَكَفانَا شَرَّهُ والنّائِبَات