وقد اشتركت غزة في هذا الانقلاب، وأسس الزعماء فيها فرعاً لجمعية الاتحاد والترقي، وكان هذا الفرع مؤلفاً من السادة: أحمد عارف الحسيني، والحاج سعيد الشوا، ومحمد الصوراني، وحسني خيال، وخليل بسيسو، والشيخ محيي الدين عبد الشافي. وكان رئيسه ضابط عربي من ضباط الجيش التركي (سنوسي بك).
وقد سادت المدينة موجة من الفرح، وأخذ الناس يهنئ بعضهم بعضًا، لأن الظلم والاستبداد قد رُفعا وحل مكانهما العدل والدستور، وانعقد البرلمان الجديد (مجلس مبعوثان)، وفيه ٢٧٣ نائباً سبعون منهم العرب. ومن هؤلاء ثلاثة كانوا يمثلون لواء القدس. وكان أحد هؤلاء الثلاثة أحمد عارف الحسيني من غزة.
والقائمقام الأول الذي تولى إدارة غزة بعد ذلك (أي في عهد الدستور) فريد بك العمري وهو شامي الأصل.
وقد تولى إدارة غزة بعده القائمقام محمود نديم بك التركي، فعارف بك وكان هذا أيضاً تركياً، فأحمد بك اليوسف من الشام، فإبراهيم بك، ففريد بك خورشيد وهو تركي تعرب مع الزمن. فمعين بك المرعي من دنادشة عكار. وكان هذا آخر قائمقام تولى إدارة غزة في العهد التركي.
وقصارى القول اشترك العرب والأتراك معاً في الانقلاب العثماني، وأمل العرب خيراً من هذا الانقلاب، وظنوا أنه سيصلح في بلادهم ما أحدثته الحروب الماضية والفتن المنصرمة من خراب.
٣٧ - ولكن سرعان ما انقلبت الآية، وخاب الرجاء. وشعر العرب، بأن رجال تركيا الفتاة وان كانوا يتظاهرون بالعمل لاتحاد العناصر وتأييد السلطة العثمانية، إلا أنهم في الواقع وحقيقة الأمر كانوا يتآمرون على هذه العناصر، ويسعون لاذلالها. وقد أخذ هؤلاء يبذلون قصارى جهدهم في تقوية العنصر التركي عملاً بوحي الفكرة القومية الطورانية، ظناً منهم بأن ذلك أنفى للخطر، وأدعى إلى تماسك أجزاء السلطنة واتحادها.
عندئذ، بدرت بوادر الخلاف العنصري بين العرب والترك. ونما هذا بنمو فكرة الاستقلال عند العرب، وقام هؤلاء يسعون إلى ذلك ولكن بالسر لا بالجهر. إذ كانوا يخشون بطش الاتراك. وقد تألفت خلال تلك الفترة (١٩٠٨ - ١٩١٣م) جمعيات عربية عديدة في الآستانة وباريس والقاهرة وبيروت ودمشق وبغداد. ففي