ليقل مَنْ شاء مِنْ فلاسفة التاريخ ما يشاء في التعليل والتحليل والتلخيص والتفصيل، فمهما يقل القائلون، ومهما يشرح الشارحون؛ فليس من السهل على عقل رشيد أن يزعم أنها كلها خدعة وَهْمٍ في رءوس أناس جاهلين . ولا حاجة هنا إلى الفلسفة ولا إلى الحذلقة1 ولا إلى الجدل الطويل، فالقول الفصل بعد كل قول ووراء كل شرح: إن الوهم الخادع في رءوس الجاهلين خير ألا يكون، وماذا يبقى من تاريخ الإنسانية لو حذفنا منه هذه العوامل الحية، وقلنا مع القائلين: إنها وهْم من الأوهام كان خيرًا لها أنه لم يكن ولم يكن بعده ما جرى في مجراه؟ .
وفي هذه السيرة على ما نرجو، وعلى خلاف ما يخطر في بال الكثيرين لأول وهلة، شواهد على هذه العِبْرة الكبرى أكبر من شواهد أخرى، فلعلها لا تبرز لنا عبقرية كعبقرية الصديق أو الفاروق أو الإمام، ولكنها تبرز لنا من جانب الأريحية صفحة لا تُطوى، ولا يستطيع العقل الرشيد أن يرجع بها إلى باعث غير باعث العقيدة والإيمان.
- ↑ حذلق الرجل وتحذلق : اذا أظهر الحذق فادعى أكثر مما عنده