تصدير
بقلم
محسـن مهـدى
أستاذ الدراسات العربية بجامعة هارفارد
يجدر بالقاريء العربى وهو يتصفح هذا الكتاب ويتأمل أقوال مؤلفه وتفسيره لتاريخ وسياسة مجتمع أسس أقدم نظام ديمقراطي معاصر لنا ، أن يستوعب غرض المؤلف الرئيسي من كتابه ، وهو الاعتبار بالتجربة الأمريكية – بعد سبر غورها والاطلاع على أسسها في المجتمع الأمريكي وتقاليده وطبيعة أرضه ونبوغ مشرعيه -- ثم الانتفاع بهذه التجربة في فهم التركيب الاجتماعي والسياسي للدول غير الديمقراطية ، وفي التعرف إلى الأسباب التي أدت بكثير من الدول الاشتراكية في أواخر هذا القرن إلى الرجوع عن النظم الاستبدادية ، وفي تفهم الأمور التي يجب أن ينتبه لها مشرعو الأمم التي ترجو العمل الموحد ضمن إطار سياسي يؤدي إلى نمو المساواة بين المواطنين ويحافظ على حرية الفرد ويشجع روح المسعى الحر والإقدام على تحقيق المشاريع الاقتصادية والعلمية والحضارية الجبارة.
لم يكن مؤلف الكتاب أمريكيا غرضه التفاخر بتاريخ وطنه ومنجزاته السياسية ، ولا ديمقراطياً شديد التعلق بالتركيب الخاص للنظام الديمقراطي الذي يصفه ويحلله في هذا الكتاب ، وإنما كان توكفيل مواطناً فرنسياً سليل عائلة أرستقراطية ، كرس حياته لخدمة وطنه في القضاء والإدارة والتشريع والسياسة ، بالرغم من أنه قرر في أخريات حياته أن عمله العلمي وإنتاجه الفكري كان أهم من عمله السياسي . وكتب « الديمقراطية في أمريكا » باللغة الفرنسية ونشره بين مواطنيه ليقنعهم برأيه في أن انتشار المساواة الاجتماعية ، بهذا المعنى الضيق ، أمر آت لا محالة ، وأن لانتشار المساواة بين المواطنين نتائج بعيدة المدى لمستقبل الأمم جميعاً ، وكان همه الأول مستقبل العمل السياسي في فرنسا، البلد الذي رأى أنه سيزيد على مر الأيام شبها بالولايات المتحدة ( وهو البلد الديمقراطي الواسع الوحيد في العالم آنذاك ) وليس بإنجلترا كما كان يظنه الأرستقراطيون الآخرون .
وهذا سر توجهه إلى الولايات المتحدة . وهناك اجتهد - بالإضافة إلى القيام بعمله الرسمى وهو الحصول على معلومات عن نظام السجون والتعرف إلى إمكان تطبيقه في فرنسا - كي يقف على ما سينفعه في العمل السياسي وما سيعينه على حب مستقبل فرنسا