كان خليل يتكلم وفي صوته الجهوري نغمة سحرية تضطرب لها قلوب الرجال الناظرين اليه باعجاب يشابه استغراب الاعمى اذا ما ابصر فجاة وتهتز الحلاوتها نفوس النساء المحدقات به باعين طافحة بالدموع. اما الشيخ عباس والخوري الياس فكانا يرتجفان غضباً ويتلويان كالمطروحين على وسائد من الاشواك ، وقد حاول كل منهما ان يوقف الشاب عن الكلام فلم يستطع لانه كان يخاطب الجمع بقوة علوية تشابه العاصفة بعزمها والنسيم برقتها
ولما انتهى خليل من كلامه وقد تراجع قليلاً الى الوراء ووقف بجانب راحيل ومريم حدث سكوت عميق كان روحه المرفرفة في جوانب تلك القاعة الوسيعة قد حولت بصائر القرويين نحو مكان قصي وانتزعت الفكر والارادة من نفسي الشيخ والكاهن واوقفتها مرتعشين امام اشباح ضمير يهما المزعجة
حينئذ وقف الشيخ عباس وقد تقلصت ملاحه واصفر وجهه وانتهر الرجال الوالفين حوله قائلاً بصوت مخنوق « ما اصابكم ايها الكلاب . هل تسممت قلوبكم وجمدت الحياة سيفي داخل اجسادكم فلم تعودوا قادرين على تمزيق هذا الكافر المهزار . هل اكتنفت روح هذا الشيطان ارواحكم و كبلت بسحره الجهنمي سواعدكم فلم تستطيعوا ابادته »