انتقل إلى المحتوى

سئمت مقامي في الغبينة مغمدا

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

سَئِمتُ مُقامي في الغبينة ِ مُغْمَدا

​سَئِمتُ مُقامي في الغبينة ِ مُغْمَدا​ المؤلف الشريف المرتضى


سَئِمتُ مُقامي في الغبينةِ مُغْمَدا
يراوحني فيها الملامُ كما غَدا
ألا إنّ جارَ الذلَّ من بات يتقي
سناناً طريراً أوْ حساماً مهنداً
و ما خفيةُ الإنسان إلاّ غباوةٌ
وخوفُ الرَّدى للمرءِ شرٌّ منَ الرَّدى
تركتُ الهويني للردىَّ وإنني
إذا غار مغترٌّ بها كنتُ منجدا
و أي مرادٍ لم أنلهُ بعزةٍ؟
فأنفسُ حظي منه أنْ يتبعدا
و ما شعفي بالحرب إلاّ لأنني
أرى السيفَ أهدى والكريهة أقصَدا
سقى اللهُ قلبي ما أعَفَّ عنِ الهوى
و أقسى على نأي الحببِ وأجلدا
و إني متى ضنَّ الصديقُ بقربهِ
أكنْ منه أسخَى بالبِعادِ وأجْوَدا
أرَى الهمَّ يرميني إلى كلِّ غايةٍ
ومَن لي بأَنْ ترضَى هموميَ مَقصَدا؟
لَعَلِّيَ أنْ ألقَى مِنَ النّاسِ واحدًا
يكون على حرَّ المطالبِ مسعدا
وهيهاتَ، أعيا العزُّ كلَّ مُغامرٍ
و أفنى على الدنيا مسوداً وسيدا
إذا اللهُ لم يُدنِ الفتى مِن مُرادِهِ
فما زاده الإقدامُ إلاّ تبعدا
وسرٍّ حجبتُ النّاسَ عنه كأنّما
قذفتُ به في لجة البحر جلمدا
وداريتُ عنه صاحبي وهْوَ دائبٌ
ينازعهُ عرضُ الحديثِ إذا بدا
عذوليَ ما أخشى جنايةَ كاشحٍ
إذا الحزمُ واراني خَفيتُ عنِ العِدَى
لحا اللهُ هذا الدَّهرَ تأتي حظوظَهُ
خطاءَ ويغشى ضيمه متعمدا
إذا نلتُ منه اليومَ حالاً حميدةً
أبى فتقاضاني ارتجاعتَها غَدا
تنقلنا الأيامُ عن كلَّ عادةٍ
و تبدلنا من موردِ العيشِ موردا
ولو كنتُ موفورَ الحياةِ منَ الأذى
على نبواتِ الدهرِ كنتُ مخلدا
وهوَّنَ ما ألقَى منَ الدَّهرِ أنَّهُ
تَعمَّدني بالغدر فيمنْ تعمَّدا
و ليستْ حياةُ المرءِ إلاَّ شرارةً
و لا بدّ يوماً أنْ تناهى فتخمدا
أما ووجيفِ العيسِ تنضو شفاهها
لغاماً تحلاهُ الأزمةُ مزبدا
ونهضةِ أبناءِ اللّقاءِ لخُطَّةٍ
تجرُّ مماتاً أو تقلدُ سؤددا
لقد ألصقتني " بالحسين " خلائقٌ
أعدنَ قديمَ المجدِ غضاً مجددا
هو المرءُ إنْ قلَّ التقدم مقدمٌ
وإِنْ عزَّ زادٌ في العشيرةِ زوَّدا
أبيٌّ على قولِ العوازلِ سمعهُ
إذا أعرضوا دون الحفيظةِ والندا
وأرْوَعَ من آل النبيِّ إذا انتمى
أصابَ علياً والداً ومحمدا
" كرامٌ " سعوا للمجد من كلَّ وجهةٍ
كما بسطوا في كلّ مكرمةٍ يدا
و ما فيهمُ إلاَّ فتى ما تلبستْ
بهِ الحربُ إلاّ كان عَضْبًا مجرَّدا
وقاؤُك من صَرْفِ الرَّدى كلُّ ناكلٍ
إذا صَدمَتْهُ النّائباتُ تَبَلَّدا
جَريءٌ إذا ما الأمنُ أَخلى جَنانَه
فإنْ رابه ريبٌ تولى وعردا
وأنتَ الّذي لا يثلمُ الرُّعبُ شدَّه
و قد لفتِ الخيلُ السوادَ المشردا
و كنتَ متى لاذتْ بنصرك بلدةٌ
ضممتَ إليها قطرةَ أسحمَ أربدا
رجالاً كأمثال الأسنةِ " ركزا "
وخيلاً كأمثالِ الأعنَّةِ شُرَّدا
ولا أمنَ إلاّ أنْ تُرَدَّ صدورُها
منَ الطَّعنِ يسحَبْنَ القَنا المتقصِّدا
طوالعَ من ليلِ العجاجِ كأنَّما
زَحَمْن الدُّجَى عنهنَّ حتّى تقدَّدا
وقد سلبَ الإقدامُ لونَ جُلودها
وأَلْبسَها بالطَّعن ثوبًا مورَّدا
و يومٍ طردتَ العدمَ عنه كأنما
طردتَ به جُندًا عليك مجنَّدا
ولم تُلقَ إلاّ باسطًا مِن يمينهِ
ببذلِ الندى أو ضارباً فيه موعدا
هنيئاً لك العيدُ المخلفُ سعدهُ
عليك منَ النَّعماءِ ظِلاًّ مُمدَّدا
ولا زلتَ فيه بالغاً كلَّ إِرْبَةٍ
و لا زال مكروراً عليك مرددا
تهُبُّ رياحُ الجوِّ حولكَ كلُّها
نَسيمًا ويطلُعْنَ الكواكبُ أَسْعُدا