زمن بكل مسرة وافاني
المظهر
زَمَنٌ بكلّ مسرّة وافاني
زَمَنٌ بكلّ مسرّة وافاني
أَكْرمْ به زمناً وأيّ زمانِ
لن أستطيع ثناَءه ولوَ أنّنِي
أُعْطِيتُ في الإِطراء كلَّ لسان
حيث الحبيب مُنَادِمٌ ومُوَاصِلٌ
وبحيث يسمعني وحيث يراني
والشّمل منتظمُ الجواهر عقده
وصفا المودّة مُثمِرُ الأغصان
من بعد ما طحنت كلاكلُ جَوْرِه
كَبِدي وأبلى مهجتي ورماني
وتداولت بين الحشاء همومُه
دُوَلاً تُشيب ذَوَائِبَ الوِلْدَانِ
وتناضلت فوق الأسى وتزاحمت
شِيَعُ الرّدى وطوئفُ الحِدْثان
بكتائبٍ سُودِ الدّروع كأَنّها
لَيْلُ الْمِحَاقِ وأَوْجُهُ السّودان
جَعَلَتْ تجولُ بِأَضْلُعِي فحروبُها
ما مَرَّ عن نيرانها المَلَوَانِ
وجوانحي ميدانُها ومداسُها
ومجالُ كلّ مهنَّدٍ وسِنان
وقُوَى الحشاءِ مغانمٌ لِكُمَاتِها
قُسِمَتْ أحاداً بينها ومثاني
أفلا يَحِقُّ على الجفون يجرّحٌ
وعلى الفؤاد تجرّع الأشجان
وتسهّدٌ وتحنّنٌ وتأسّفٌ
وتصعّدٌ في سُلَّمِ الهَيَمان
وأَحِبّتي ما بين ناءٍ مُبْعَدٍ
وحميمِ آنٍ في التّراب مُهَان
وحليفِ وِدِّ لا يفيق من الأسى
لذهاب خِلٍّ أو نُبُوِّ مكان
ومحلُّهم من بعد أُنْسٍ مُوحِشٌ
يَبكي ويُبكي كلَّ صَلْدِ جَنان
يشكو حرارة ما يذوق وإنّما
يشكو فراقَ أئِمّةٍ أعيانِ
كانوا مصابيحَ الرّشاد لأهله
فتناثروا كلآلِئي الأجفان
سّلَّ الزّمانُ غِرارَهم فأراشهم
بأسِنِّةِ الأنكاد والأحزان
وكسا جسومَ القاطنين ملابسَ آلْ
أسقام بعد نُعومةِ الأبدان
ولَكَمْ كَسَا مِنْ ذي اعتزاز ذِلّةَ آلْ
أكفان بعد رفاهة الأردان
وطوى محاسنَ مِنْ كِرَامٍ سَادَةٍ
وكرائِمٍ تُصْبِي الرشيدَ حِسانِ
بجنود طَعْنٍ بالحروب عليمةٍ
وخبيرةٍ بِمَقَاتِلِ الإنسان
طاعونها لا يكتفي بِأَقَلَّ مِنْ
أَخْذِ النّفوس ولا يقول كفاني
حتى مَلَلْتُ من الحياة وطولِها
ورأيتُ رَمسي فيها نَيْلُ أماني
وحَسَدْتُ قُطَّانَ القبور وربّما
لذَّ الحِمَامُ لمُصْطَلي النّيران
فإذا نسيمٌ قد تضوّع باسماً
بالغرب هبَّ مُعَطِّرَ الأركان
يُبْرِي آلسِّقَامَ شميمُه وبنشره
يُطْفي حرارةَ كِلّ صَبٍّ عَانِ
يسري إلى نحو المشارق مُذْهِباً
عِلَلَ الصُّدور وغُلَّةَ الظّمآن
ناديتُه ماذا وَرَاَءكَ طِبْتَ مِنْ
مُحْيِي النّفوس بنشرك الرّيّان
فأجابني إنّي هببتُ مُبَشِّراً
بقدوم من خضعت له الثَّقَلاَنِ
شمسَ الأيمّةِ طاهرٌ من نورِه
يُهْدى لرونق حسنه القَمَرَان
شيخٌ حباه من الكمال إلاهُه
ما لم تَرُقْ بنظيره العَيْنَان
أجلى على تَرشيشَ ظلمةَ حزنها
فبدت بوجهٍ مُشْرقٍ فتّان
وأباد جُنْدَ همومها بعساكر
من ضيغمٍ ضارٍ بكلّ لسان
أَخَذَتْ تُقَارِعُ كُلَّ شهمٍ ضَيْغَمٍ
حتّى استحال مُزَوِّدَ العِقْبَان
ونفى لها بؤسَ السّقام فأصبحت
خضراَء بعد يبوسة الأفنان
وتحوّلت دارَ النّعيم وطالما
كانت مَجَالَ مصائبٍ وهوان
وتزخرفت حتى كأنّ قطينَها
لم يُجرِ دَمْعَةَ حائرٍ ولهان
وكأنّها لمّا ألمّ بدورها
إِرَمٌ تَبَدَّتْ أو قصورُ جِنان
وتباشرت لمّا رأته بأَسْرِها
بلسانِ حالٍ أو لسان بيان
حتى رأيتُ بناَءها طَرَباً إلى
مرآه يهتزّ اهتزازَ غواني
وجوامعاً ومساجداً ومدارساً
تومي إلى التّسليم ذاتَ حَنان
ودروسُها تختال في حُلَلِ البَهَا
ولها بمقدمه البهِيّ تهَانِ
وتقول أهلاً يا حبيبُ ومرحباً
بك يا إمامَ مشايخِ العِرفانِ
يا محييَ الإتقانِ بعد دروسه
ومحلّيَ الأذهان بالإيقانِ
ومُشَيِّداً ربع العلوم وقد هوى
فوق العروش أسافلُ الجدران
يا ابْنَ الكِرَامِ ونخبةَ الفضلاءِ مِنْ
أهل الخلافة من بني عدنان
يا نَجْلَ صاحِبِ خًيْرِ مَنْ وَطِئَ الثّرى
عُمَرٍ مُوشِّحِ راية الإيمان
ومُعِزَّ دينِ المصطفى بأَدِلَّةٍ
وأسِنّةِ وأجلّةِ الفرسان
ومبينَ صدقِ وقوعِ ما يقضي به الْ
إرْهاصُ مثل تصدّع الإِيوان
فأذاق كسرى كأسَ ذلٍّ قاتلٍ
فكأنّه ما ذاق بنتَ دنان
كم لي أُنَقّي في الأنام لعلّني
أُلْفِي فما أَلْفَيْتُ مثلك ثانِ
ولكم سألتُ النّاسَ هل لك مُشْبِهٌ
فرأيتُهم ينفون كلَّ مُدَانِ
مِنْ أَيْنَ نُلْفي مُشْبِهاً لك في الورى
وَهُمُ لذكرك ناكسو الأذقان
وإذا برزتَ رميتَهم بمهابة
تَذَرُ الشُّجَاعَ البَطْلَ مثلَ جَبَانِ
حتّى إذا ما الرُّعبُ زال رأيتَهم
وجميعُهم مُثْنٍ بكلّ لسان
قل لي بفضلك أيّ ذنبٍ جِئْتُه
حتّى أُجَرَّعَ غُصّةَ الهجران
وترى فراقي مذهبا ومدامعي
تبدو بذاك مُبَاحةَ السَّيَلان
ولأيّ شيء ما رأيتُ من الأسى
بمغيب مطلَعِكَ العَلِيِّ الشان
وتَركْتَنِي فوق البسيطة هائماً
عاري الحياة لشدّة الهيمان
حتى رأيتُ من العذول تعذّراً
وترحّما من كلّ نَذْلٍ شَانِ
أَحَسِبْتَ لي إلْفاً سِوَاك يروقني
وأرى السُّلُوَّ به عليك عراني
لا والذي أولاك رِقّي ليس في
قلبي سواك وليس لي قلبان
ولئن أتيتُ جريمةً فَلأَنْتَ مَنْ
يُولي المُسِيَء سحائبَ الغُفْران
أَوَكَانَ هجرُك لا لذنب جِئْتُه
أَيَحِلُّ منكَ عذابُ غَيْرِ الجاني
ولعلَّ وِدَّك حال حتّى إنّه
نسجتْ عليه عناكبُ النّسيان
ومتى استحال وحسنُ عهدِك في الورى
عالي الحصون ومُحْكَمُ البنيان
لم أَدْرِ ما سبب الصّدود وليتَني
حصّلتُ منه على شِفَا خفقان
لكنّ حرصي قَادَنِي لِلَطِيفَةٍ
فرأيتُ منه الأَمرَ شِبْهَ عِيَان
هي أنّ ما قد حُمَّ ليس بواقعٍ
بمكانٍ أنْتَ به من القُطّان
فتركتَني كَيْمَا ترى المقضيَّ في
حُلَلِ الوجود محقّق الإمكان
والصّالحون لهم مَزِيدُ كرامةٍ
فيهم تُعَاقُ عوائقُ الأزمان
سيّما وقد شاهدتُ فيكَ عجيبةً
تقضي بأنّك قُرَّةُ الأعيان
إنّي رأيت كواكبَ الأفلاك
قد سارت لِنَحْوِكَ طالقاتِ عِنَان
عَلِمَتْ بأنّك زائرٌ لِسَرَايَةٍ
فَتدَنَّيَتْ للغرب والمَيَلان
فإنِ امْتَرَى ذو ومِرْيَةٍ فلعلّه
لم يَدْرِ كيف مَطَالِعُ الوِجدان
ولعلّه إذ كنتَ شمسَ معارفٍ
غَرَبَتْ عليه أَشِعَّةُ اللَمَعَان
وَالشمسُ تَبْهَرُ كلَّ مُقْلَةِ مُبْصِرٍ
عن دَرْكِها بزيادة الإمعان
ولأنْتَ أرْفَعُ منزِلاً بمراتبٍ
من دونها البحران يلتقيان
أَفَيستطيع بلوغَ مدحِك مادحٌ
ويُجِيدُ فيكَ مبانياً ومعان
وأَجَلُّ مَدْحٍ أنت فوق أَجَلِّهِ
وأَجَلُّ قصر في القصور يعاني
لكنّ ما لا يُسْتَطَاعُ جميعُه
فَيُجَاءُ منه بمُمْكِنِ الإتيان
والعَفْوُ عمّا قد جَنَيْتُ مُؤَمَّلٌ
حيثُ اجْترَأْتُ على عَلِّي مكان
لا زال في حَرَمٍ يُلاذُ بِحِصْنِه
ما دام في حَرَمَيْهِمَا الحَرَمان